إن مشكلة غياب الموظفين عن العمل تمثل عائقًا لجميع المؤسسات، فعندما لا يأتي الموظفون إلى العمل فإن ذلك بالطبع يؤثر على العملية الإنتاجية وسير العمل بالسلب، ويؤثر أيضًا على عملاء المؤسسة ويولد لديهم شعور بالغضب تجاه المؤسسة وربما يجعلهم يبحثون عن مؤسسة بديلة لتلبي رغباتهم وتقدم لهم الخدمات التي يحتاجونها، لذلك لابد من دراسة المشكلة ومعرفة أسبابها لإيجاد الطريقة المثلى لحلها بأقل خسائر ممكنة على المؤسسة وعلى عملائها وأيضًا دون المساس بحق الموظفين، ولكي يتم ذلك لابد من إيجاد حل منطقي لا يضر بأي من أطراف العملية الإنتاجية، وفي بحثنا هذا سنتناول تلك المشكلة وسنتعرف معًا على كافة الحلول الممكنة، وبالطبع يمكننا أن نتوقع قدرًا معينًا من الغياب المشروع في حالات المرض والإصابة والظروف غير المتوقعة فذلك جزءًا طبيعيًا من الحياة، والأن هيا بنا نستكشف ما هو التغيب عن العمل ونسلط الضوء على القضايا الأربع الأعمق التي يمكن أن تؤدي إلى تغيب الموظف ونناقش كل واحدة منهم على حدة ونتعرف على كيفية إدارتها.
مشكلة البحث
أسباب غياب الموظفين عن العمل
نموذج المشكلة
بعض المؤسسات الأمريكية التي أثر غياب الموظفين على إنتاجيتها، ولجأت إلى عمل الاستبيانات لمعرفة الأسباب وراء ذلك.
أولًا ما هو تغيب الموظف؟
المقصود بالتغيب الذي يحدث مشكلة وهو موضوع البحث، هوعندما يتغيب الموظف عن العمل بشكل اعتيادي أو يتغيب عن العمل دون سبب وجيه بشكل عام، فعندما تكون حالات الغياب غير مخطط لها بالطبع تحدث آثار سلبية على مكان العمل، فنمط التغيب عن العمل هو سبب للقلق، لما له من آثار مترتبة عن الدور الذي يقوم به الموظف في العملية الإنتاجية والتنفيذية الخاصة بسير العمل.
ما هي أسباب تغيب الموظفين عن العمل؟
حتى نتمكن من إيجاد حلول لمشكلة تغيب الموظفين عن العمل، يجب علينا أولًا أن نعرف ما الذي يدفع الموظفين للغياب؟ هناك أسباب مختلفة، هناك العديد من الأسباب ولكن باستطلاع بعض الاستبيانات والتي تم إجراؤها من خلال ما يزيذ عن 6000 شركة، تبين لنا أنه هناك أربعة أسباب هي الأكثر شيوعًا للتغيب عن العمل وهي كما يلي:
- مرض الموظف بسبب عمله (المعروف أيضًا باسم الإرهاق)
هناك خط رفيع بين التوتر الجيد والضغط السيئ. الضغط الجيد هو محفز ومبهج، في حين أن الضغط السيئ مثبط للعزيمة، وذلك يحدث حتى لو كان الموظف منخرطًا بشكل كامل في عمله، فإنه يمكن أن يصاب بالإرهاق إذا تعرض بشكل متكرر لضغوط شديدة (أو نوع خاطئ من الضغط)، فالإرهاق هو رد فعل لإجهاد طويل الأمد يمكن أن يظهر على شكل انهيار جسدي أو عقلي، “أحد الجوانب الرئيسية لمتلازمة الإرهاق هو زيادة مشاعر الإرهاق العاطفي؛ ومع استنفاد الموارد العاطفية، يشعر العمال أنهم لم يعودوا قادرين على تقديم أنفسهم على المستوى النفسي” كما جاء في دليل جرد الإرهاق Maslach.

فالإرهاق ليس جيدًا للموظف ولا لصاحب العمل، فقد أظهرت العديد من الدراسات الأكاديمية العلاقة بين الإرهاق والتغيب، والنية في المغادرة، ومعدل الدوران، وانخفاض الأداء الوظيفي.
وقد يميل أصحاب الأعمال إلى استبعاد الإرهاق كسبب لتغيب الموظفين، ومع ذلك نجد أن التغيب الناجم عن التوتر أكثر انتشارًا مما يعتقد أصحاب الأعمال، وذلك ما أظهرته العديد من الاستبيانات والتي كانت نتائجها كالتالي:
- ما يقرب من 40٪ من أيام الغياب تكون بسبب مشاكل الصحة العقلية مثل التوتر.
- أفاد 35% من الأمريكيين العاملين أنهم يعانون من ضغوط العمل المزمنة، وقال أقل من نصفهم إن صاحب العمل يوفر موارد كافية لمساعدة الموظفين على إدارة ضغوطهم .
- بين عامي 2010-2011 و2014-2015، ارتبط حوالي 91% من مطالبات تعويضات العمال التي تنطوي على حالة صحية عقلية بالإجهاد المرتبط بالعمل أو الإجهاد العقلي.
- الموظف غائب لأنه لا يريد أن يكون في العمل (ويعرف أيضًا باسم غير منخرط)
الموظف عندما لا ينخرط مع بيئة العمل غالبًا ما يحاول قضاء وقت أقل فيه، وهذا يتسبب في تسجيل مستويات أعلى من التغيب، أما الموظفين العاملين الذين يرون أن وظيفتهم جديرة بالاهتمام أو مثيرة هم أكثر عرضة للانخراط بشكل كامل في ما يفعلونه والتحمس له.
- الحضور جسدي فقط والذهن غائب (الحضور مثل الغياب)
قد يحضر الموظف فعليًا إلى العمل ولكن ذهنه غائب، أو نظرًا لظروف صحية يمر بها يقدم أداء وظيفي منخفض، وهذه تعد مشكلة كبيرة لا تقل عن مشكلة الغياب، فالبنظر إلى البيانات الخاصة بأصحاب الاعمال في أمريكا تبين أن نحو 224 مليار دولار يتم سحبها من الاقتصاد الأمريكي سنويا بسبب فقدان الإنتاجية بسبب الغياب والحضور.
ووفقًا لبيانات المجلس الاستشاري للعلوم Virgin Pulse، فإن الحضور إلى العمل مكلف تمامًا بالنسبة إلى النتيجة النهائية للشركة مثل التغيب عن العمل، فعندما ظهرت أرقام عدد الأيام الضائعة في الوظيفة، ارتفع العدد إلى 57.5 يومًا سنويًا لكل موظف، وكما تقول Virgin Pulse، “هذا ما يقرب من 12 أسبوع عمل – أو ربع العام بأكمله – تدفعه الشركات للموظفين الموجودين بالجسم، ولكن ليس بالعقل”.
- 4. يواجه الموظف مشاكل شخصية
من المهم أن نتذكر أن الموظفين لديهم حياة خارج العمل، لديهم عالم كامل قد لا نراه أبدًا وقضايا خاصة لا نعرف عنها شيئًا، وهذا بالطبع قد يتسبب فيه تغيبهم أحيانًا عن أعمالهم، ومع ذلك، فهذا لا يعني أنه لا يمكن دعمهم.
حل مشكلة غياب الموظفين عن العمل
وبعد أن طرحنا المشكلة وتعرفنا على أسبابها الرئيسية يجدر بنا الأن طرح الحلول الممكنة وهي كالتالي:
حل مشكلة الإرهاق
العمل على إيجاد بعض من الرفاهية في العمل للموظفين، فذلك يتيح للموظفين تطوير إمكاناتهم، والعمل بشكل منتج وإبداعي، وبناء علاقات إيجابية مع الآخرين، والتعامل مع ضغوط الحياة اليومية، وتقديم مساهمة ذات معنى.
ويجب على استراتيجية رفاهية الموظف لتكون ناجحة هي أن تكون استباقية وشاملة للفرد والشركة، وتحترم خصوصية الموظف، ومتكاملة مع المعايير الثقافية للشركة، كما نوصي بالتركيز على الجوانب التي تتأثر إلى حد كبير أو تحددها عوامل مكان العمل للتأثير على رفاهية الموظف.
حل مشكلة عدم الانخراط
أولاً على صاحب العمل أن يفهم سبب عدم إنخراط الموظف في بيئة العمل، فربما يكون الموظف لا يحب العمل مع مديره، أو ربما لا يملك الأدوات التي يحتاجها لتحقيق النجاح، وربما لا يشعر بالانتماء للمكان، وقد أن السبب وراء ذلك شعوره بعدم وجود مسار نمو محتمل له.
بصراحة، يمكن أن تكون هذه مشكلة صعبة للتعامل معها، ويتطلب الأمر إجراء محادثة صادقة بين صاحب العمل والموظف، الأمر الذي قد يكون صعبًا إذا لم يكن صاحب العمل على علاقة قوية مع الموظفين، والحقيقة أن مشكلة عدم الإنخراط تحديدًا دور صاحب العمل فيها أقل من دور الموظف ولكن على صاحب العمل معرفة السبب الحقيق لها وتقديم الحلول المتاحة لديه وإما يقبلها الموظف أو يكون تركه للعمل أفيد من استمراره دون مشاركة إيجابية وفعالة.

معالجة مشكلة الحضور مثل الغياب
يمكنك معالجة مشكلة الحضور مثل التغيب عن العمل عن طريق اكتشاف السبب الحقيقي وراء عدم المشاركة، واتخاذ خطوات لمعالجة المشكلة، وقياس تأثير التغييرات التي على سير العمل.
- حل المشكلة عندما يواجه الموظف مشاكل شخصية
إذا اكتشف صاحب العمل أن الموظف يعاني من مشكلات شخصية أو ضغوطات تجعله يغيب عن العمل، فعليه أن يحاول استيعابها، فيمكن أن يكون التوفيق بين العمل والحياة الخاصة بمثابة كابوس لوجستي، ويمكن لأصحاب العمل في كثير من الأحيان تقليل ضغوط الموظفين من خلال توفير المزيد من المرونة .
فإن كنت صاحب عمل تحدث إلى موظفيك واكتشف ما قد يساعدك، على سبيل المثال طرح عدد من الحلول مثل:
- العمل من المنزل.
- ساعات العمل المرنة.
- عدد أكبر من أيام الإجازة غير مدفوعة الأجر.
وهذا كله مجرد امتداد لأي برنامج جيد للرفاهية ، وبطبيعة الحال، يجب عليك أنت وثقافة شركتك دعم هذه القرارات، فليس من الجيد تقديم ساعات عمل مرنة إذا كان موظفك يتلقى نظرات ازدراء من الموظفين النشطيين عندما يأتون في الساعة 10 صباحًا، يجب أن يكون برنامج الرفاهية شاملاً ومتكاملًا تمامًا مع ثقافة الشركة وقيمها.
- يجب اتخاذ إجراءات بشأن التغيب عن العمل ووضع بعض العقوبات طبقًا للوائح العمل بالشركة.
*****
وختامًا لبحثنا هذا يجب أن نعترف بنقاط القوة والضعف في الحلول التي تم طرحها وهي كالتالي:
أولًا: نقاط القوة
وهي مثالية في الحل المطروح لمشكلة الإرهاق، والمشكلة الخاصة بتغيب الموظف بسبب مشاكل شخصية، حيث أن وضع برنامج رفاهية للموظف أمر جيد ويشعر الموظف بأهميته ويحفزه على تقديم المزيد، وكذلك تقديم ساعات عمل مرنه والحصول على أجازات غير مدفوعة دون جزاءات أو اقتطاع إضافي من الراتب أمر جيد قد يستقطب الكثير من العمالة المعطلة لأنهم سيجدون أماكن تستوعب ظروفهم الشخصية وتوفر لهم عمل بدخل مناسب،أما عن وضع بعض العقوبات فهو أمر جيد لأن لابد أن يشعر الموظفين بقوة صاحب العمل ووجود قانون منظم يحكم المؤسسة.
ثانيًا نقاط الضعف
وهي تتمثل في حل مشكلة الإنخراط في بيئة العمل لأنها في الأصل مشكلة خاصة بالموظف وقد يضيع مجهود المدير هباءً إذا لم تكن هناك رغبة حقيقية من الموظف في الاستمرار، وكذلك مشكلة الحضور مثل الغياب فعل الموظف أن يشعر بقيمة عمله وأهميته في العمل وإلا لن تفي معه أية حلول.
المصادر:
2- Robert R. Haccoun, Perceived Reasons and Consequences of Work Absence: A Survey of French-speaking Employees in Quebec, Colette Desgent [1993].
3- Stephen Legault, Taking a break from saving the world: a conservation activist’s journey from burnout to balance, Rocky Mountain Books Ltd, 2020.